تفسير أول سورة العنكبوت
قال الله تعالى « ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون.ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين. أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون. من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم .ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين .والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم و لنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون. ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون.والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين .ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين » سورة العنكبوت ،الآية 1-11 .
وقال الله تعالى : « أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب » البقرة :214،قال الله تعالى لما ذكر المرتد والمكره بقوله: «من كفر بالله من بعد إيمانه» النحل :106،قال بعد ذلك « ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم» النحل 110
فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين : إما أن يقول أحدهم آمنا وإما ألا يقول آمنا ،بل يستمر على عمل السيئات .فمن قال آمنا امتحنه الرب عز وجل وابتلاه وألبسه الابتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكذاب ،ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته ،فإن أحدا لن يعجز الله تعالى هذه سنته تعالى يرسل الخلق فيكذبهم الناس ويؤذونهم ،قال تعالى: «وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن» ،وقال تعالى: « كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون » الذاريات :52 وقال تعالى: « ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك» فصلت :43 ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلي بما يؤلمه،وإن لم يؤمن بهم عوقب فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم ،فلا بد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت ،لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة،والكافر تحصل له النعمة ابتداء ثم يصير في الألم.
الفوائد_الإمام شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية